الإثراء غير المشروع - عبد الحميد بن هدوقة

    La Richesse Illégal - Abdelhamid Ben Hedouga

 

أقنع "علاوة" نفسه بأن يفتح رسائل أولاده، للسهر على مصلحتهم، وليس للاطلاع على أسرارهم: "إنه يطلع على الرسائل لا لاكتشاف أسرار بنيه، ولكن ليحول بينهم وبين ما يمكن أن يقعوا فيه من انحرافات ومهالك، من الأربع رسائل، اثنتان لا خطر فيهما: رسالة البنك الموجهة إلى عمر، ورسالة الشركة التي تصنع الآلات الطبية للتصوير.

قرر أن يقرأ رسالة البنك ليعرف بالضبط كم يتقاضى مدير مؤسسة، لأن "عمر" مدير. فتح الرسالة فإذا هي عبارة عن كشف لرصيد "عمر" بالبنك في نهاية شهر أفريل من تلك السنة. قرأ الرقم وهو لا يصدق عينيه 1500233.45 دينار! فردد بصوته ما قرأت عيناه: " له بالبنك مليون وخمسمائة ألف دينار؟ لا، محال، أنا غالط". وأعاد القراءة من جديد، فوجد المبلغ هو نفسه: "البنك لا يغلط. يملك مليونا وخمسمائة ألف دينار! الخبيث أخفى عني كل شيء عندما كلمته عن بناء الدور الثالث، قال: إن ما عنده في حسابه بالبنك لا يبلغ حتى ألف دينار. عجائب وغرائب! مع أنه ولد عاقل، يصلي! عمر، صديق العمر، يكذب علي! عجائب وغرائب! قال: لا يستطيع أن يعاون في البناء إلا بالإسمنت. طبعا، الإسمنت لا يكلفه شيئا. وإن كلفه شيئا فلن يكون ذا بال. أصدقاؤه يبيعون له الإسمنت بسعر الحكومة: 14 دينار للقنطار. في عشرين طنا يدفع 2800 دينار. واشترط مع ذلك أن يأخذ الدور الثالث له ولأولاده بعد الانتهاء من البناء، بينما إخوته ليس للواحد منهم أكثر من غرفة. لا، لن أقبل له الآن.. يخفي عنا كل هذه الأموال، ويريد زيادة على ذلك الاستيلاء على ثلث البيت. في الفائت قدمته على الآخرين، لأن له أولادا. أما الآن، وقد عرفت عنه ما لم أكن أعرف فلا. لماذا يحتال علي وعلى إخوته؟ من أجل من؟ من أجل مناه؟ لن ينال الدور الثالث! ثم خطر للشيخ علاوة خاطر انقبضت له نفسه: "لكن من أين جاءته هذه الأموال؟ هو كمدير لا يتقاضى أكثر من ثلاثة آلاف دينار للشهر. فلو وفر كل مرتبه منذ الاستقلال إلى اليوم لما كان لديه هذا المبلغ!

أخذ قلما وورقة وراح يحسب:

قلنا مرتبه ثلاثة ألاف دينار، ولنفرض أنه يتقاضى هذا المبلغ منذ الاستقلال، في السنة 12× 3000= 36000 دينار، في 14 سنة يساوي 14×36000= 504000 نطرح هذا المبلغ من مليون وخمسمائة ألف دينار، يبقى تقريبا مائة مليون فرنك قديم فائضة عن توفير كل مرتبه منذ دخوله إلى الوظيف إلى اليوم! لا. ليست هذه الدراهم من مرتبه. هي من باب آخر ولا شك في ذلك. هذا أمر خطير علينا جميعا! اللهم... اللهم إلا إذا حصل عليه من بعض الصفقات التي لا يخشى وراءها أية متابعة قضائية؟ لا شك في ذلك، وإلا لما وضع دراهمه بالبنك. الله. الله! عمر. صديق العمر أخفى عني مائة وخمسين مليونا، وقال: لا يملك شيئا! من أصدق الآن؟ سميته عمر وهو معاوية!

أعاد كشف الحساب إلى الظرف، وأخذ منديلا يجفف عرقه، وبقي ينظر في لا شيء، ويفكر في لا شيء أيضا! هل يفرح لأن لأحد أولاده هذا المبلغ المالي المعتبر؟ أم يحزن، لأنه قد يكون حصل عليه من باب غير مشروع؟ لا، هذا لا يحزنه على كل حال. من ذا الذي "لا يتقلب"؟ المال لا يحزن. لكنه مع ذلك لم يكن مسرورا كل السرور باكتشافه لهذا السر. إن ابنه الأكبر لا يثق فيه."

بان الصبح ص 36

الأسئلة:

1-  ما رأيك في سلوك الأب المتمثل في فتح رسائل أبنائه البالغين والاطلاع على أسرارهم؟ وما مبرراته؟ وهل توافقه عليها؟ علل إجابتك.

2-  متى يحق للأب أو الأم مراقبة رسائل أبنائهم؟

3-  لماذا لم يكن الأب مسرورا باكتشاف ثروة ابنه؟

4-  ما الوسائل التي تعتقد أن "عمر" كوّن بها ثروته؟ وهل هي شريفة في نظرك؟ وضح وعلل.

5-  هل ينطبق المثل العربي "من شابه أباه فما ظلم" على الأب وابنه؟ دعم إجابتك بشاهد من النص.

6-  ما الغرض من النص؟

7-  ما التقنية التي استعملها الكاتب في عرض موضوعه؟ وهل هي مناسبة للموضوع؟ بين ميزتها على التقنيات الأخرى.

8-  بين نوع الانفعالات التي اعترت الأب أثناء قراءته الرسالة.

9-  ما العاطفة التي تحس بها نحو "عمر" ونحو أبيه من العواطف الآتية: الإعجاب، الاحتقار، الكره؟ علل إجابتك.

من كتاب "المواضيع الاجتماعية"                     

الفصل الثاني: مقتطفات من المواضيع الاجتماعيّة